سورة الأحقاف - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


قوله عز وجل: {وَلَقَدْ مََّكنَّاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكنَّاكُمْ فِيهِ} فيه وجهان:
أحدهما: فيما لم نمكنكم فيه، قاله ابن عباس.
الثاني: فيما مكناكم فيه وإن هنا صلة زائدة.
ويحتمل ثالثاً: وهو أن تكون ثابتة غير زائدة ويكون جوابها مضمراً محذوفاً ويكون تقديره: ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر وعنادكم أشد.
ثم ابتدأ فقال: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأبْصَاراً وَأَفْئِدَةً} الآية. يحتمل وجهين:
أحدهما: أننا جعلنا لهم من حواس الهداية ما لم يهتدوا به.
الثاني: معناه جعلنا لهم أسباب الدفع ما لم يدفعوا به عن أنفسهم.


قوله عز وجل: {وَإذ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القُرْءَانَ} فيه قولان:
أحدهما: أنهم صرفوا عن استراق سمع السماء برجوم الشهب ولم يكونوا بعد عيسى صرفوا عنه إلا عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما هذا الذي حدث في الأرض؟ فضربوا في الأَرض حتى وقفوا على النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة عائداً إلى عكاظ وهو يصلي الفجر، فاستمعوا القرآن ونظروا كيف يصلي ويقتدي به أصحابه، فرجعوا إلى قومهم فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجباً، قاله ابن عباس.
وحكى عكرم أن السورة التي كان يقرأها ببطن نخلة {اقرأْ بِاسِمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] وحكى ابن عباس كان يقرأ في العشاء {كَادوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً}.
الثاني: أنهم صرفوا عن بلادهم بالتوفيق هداية من الله لهم حتى أتوا نبي الله ببطن نخلة.
وفيهم أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم جن من أهل نصيبين، قاله ابن عباس.
الثاني: أنهم من أهل نينوى، قاله قتادة.
الثالث: أنهم من جزيرة الموصل، قاله عكرمة.
الرابع: من أهل نجران، قاله مجاهد.
واختلف في عددهم على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم كانوا اثني عشر ألفاً من جزيرة الموصل، قاله عكرمة.
الثاني: أنهم كانوا تسعة أحدهم زوبعة، قاله زر بن حبيش.
الثالث: أنهم كانوا سبعة: ثلاثة من أهل نجران وأربعة من أهل نصيبين، وكانت أسماؤهم حسى ومسى وشاصر وناصر والأردن وأنيان الأحقم، قاله مجاهد.
واختلف في علم النبي صلى الله عليه وسلم على قولين:
أحدهما: أنه ما شعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أوحى الله إليه فيهم وأخبره عنهم، قاله ابن عباس، والحسن.
الثاني: أن الله قد كان أعلمه بهم قبل مجيئهم. روى شعبة عن قتادة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنِّي أمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَى الْجِنِّ فَأَيُّكُمْ يَتْبَعُنِي»؟فأطرقوا فاتبعه ابن مسعود فدخل نبي الله صلى الله عليه وسلم شعباً يقال له شعب الحجون وخط عليه وخط على ابن مسعود ليثبته بذلك، قال عكرمة: وقال لابن مسعود: «لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيكَ» فلما خشيهم ابن مسعود كاد أن يذهب فذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبرح، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْ ذَهَبْتَ مَا التَقَيْنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
ولما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم تلا عليهم القرآن وقضى بينهم في قتيل منهم. وروى قتادة عن ابن مسعود أنهم سألوه الزاد فقال: «كُلُّ عَظْمٍ لَكُم عِرْقٌ، وَكُلٌّ رَوَثَةٍ لَكُم خَضِرَةٌ» فقالوا يا رسول الله يقذرها الناس علينا، فنهى سول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بأحدهما.
روى عبد الله بن عمرو بن غيلان عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ وَفْدَ الجِنَّ سَأَلُونِي المَتَاع،- وَالمَتَاعُ: الزَّادُ- فَمَتَّعْتُهُم بِكُلِّ عَظْمٍ حَائِلٍ وَبَعْرَةٍ أَوْ رَوَثَةٍ» فقلت: يا رسول الله وما يغني عن ذلك عنهم؟ فقال: «إنهم لا يجدون عظماً إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل، ولا روثة ولا بعرة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت، فلا يستنجين أحدكم إذا خرج من الخلاء بعظم ولا بعرة ولا روثة».
{فَلَمَّا حَضَرُوه قَالُواْ أنصِتُواْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: فلما حضروا قراءة القرآن قال بعضهم لبعض أنصتوا لسماع القرآن.
الثاني: لما حضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا أنصتوا لسماع قوله.
{فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: فلما فرغ من الصلاة ولوا إلى قومهم منذرين برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الكلبي: مخوفين: قاله الضحاك.
الثاني: فلما فرغ من قرءاة القرآن ولوا إلى قومهم منذرين، حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم.
قوله عز وجل: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُواْ دَاعِيَ اللَّهِ} أي نبي الله يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.
{وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ} أي نبي الله يعني محمداً صلى الله عليه وسلم. {فَليسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ} أي سابق لله فيفوته هرباً.


قوله عز وجل: {فَاصْبِر كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِن الرُّسُلِ} فيهم ستة أوجه:
أحدها: أن أولي العزم من الرسل الذين أمروا بالقتال من الأنبياء، قاله السدي والكلبي.
الثاني: أنهم العرب من الأنبياء، قاله مجاهد والشعبي.
الثالث: من لم تصبه فتنة من الأنبياء، قاله الحسن.
الرابع: من أصابه منهم بلاء بغير ذنب، قاله ابن جريج.
الخامس: أنهم أولوا العزم، حكاه يحيى.
السادس: أنهم أولوا الصبر الذين صبروا على أذى قومهم فلم يجزعوا.
وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل لم يرض عن أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر على مخبوئها».
وفي أولي العزم منهم ستة أقاويل:
أحدها: أن جميع الأنبياء أولوا العزم، ولم يبعث الله رسولاً إلا كان من أولي العزم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا، قاله ابن زيد.
الثاني: أن أولي العزم منهم نوح وهود وإبراهيم، فأمر الله رسوله أن يكون رابعهم، قاله أبو العالية.
الثالث: أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، قاله ابن عباس.
الرابع: أنهم نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى، قاله عبد العزيز.
الخامس: أنهم إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم، قاله السدي.
السادس: أن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب، وليس منهم يونس ولا سليمان ولا آدم، قاله ابن جريج.
{وَلاَ تَسْتَعْجِلَ لَّهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: بالدعاء عليهم، قاله مقاتل.
الثاني: بالعذاب وهذا وعيد.
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: من العذاب، قاله يحيى.
الثاني: من الآخرة، قاله النقاش.
{لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِن نَّهَارٍ} فيه وجهان:
أحدهما: في الدنيا حتى جاءهم العذاب، وهو مقتضى قول يحيى.
الثاني: في قبورهم حتى بعثوا للحساب، وهو مقتضى قول النقاش.
{بَلاَغٌ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن ذلك اللبث بلاغ، قاله ابن عيسى.
الثاني: أن هذا القرآن بلاغ، قاله الحسن.
الثالث: أن هذا الذي وصفه الله بلاغ، وهو حلول ما وعده إما من الهلاك في الدنيا أو العذاب في الآخرة على ما تقدم من الوجهين:
{فَهَلْ يُهْلَكُ} يعني بعد هذا البلاغ.
{إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} قال يحيى: المشركون.
وذكر مقاتل أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فأمره الله أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولوا العزم من الرسل تسهيلاً عليه وتثبيتاً له، والله أعلم.

1 | 2 | 3